عناية الإسلام بالمرأة في العرض والكرامةجعل الشرع للحفاظ على ذلك أحكامًا كثيرة، منها:1ـ القرار في البيوت:قال تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33].
قال القرطبي: "معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطابلنساء النبي صلى الله عليه وسلم فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى، هذا لو لم يرد دليليخصُّ جميعَ النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن والانكفاف عن الخروجمنها إلا لضرورة"[1].
2 ـ الأمر بالحجاب:قال تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَيُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الأحزاب:59].
قال ابن عطية: "لما كانت عادة العربيات التبذل في معنى الحجبة، وكنّ يكشفن وجوههن كما يفعلالإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهن وتشعب الفكر فيهن؛ أمر الله تعالىرسوله صلى الله عليه وسلم بأمرهن بإدلاء الجلابيب ليقع سترهن، ويبين الفرق بينالحرائر والإماء فيعرف الحرائر بسترهن"[2].
قال: "وقوله: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنيُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] أي: على الجملة؛ بالفرق حتى لا يختلطنبالإماء، فإذا عُرفن لم يقابلن بأذًى من المعارَضَة[3] مراقبةً لرتبة الحرية، وليسالمعنى أن تُعرف المرأة حتى يعلم من هي"[4].
3 ـ النهي عنالتبرج:قال تعالى: {وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَتَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ} [الأحزاب:33].
قال الشيخ ابن باز: "ونهاهنعن تبرج الجاهلية وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراعوالساق ونحو ذلك من الزينة، لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريكقلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذِّر أمهاتِ المؤمنينمن هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن فغيرهن أولى وأولى بالتحذير والإنكاروالخوف عليهن من أسباب الفتنة"[5].
4 ـ الأمر بغض الأبصار وحفظالفروج:قال تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْأَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31].
قال ابن كثير: "هذا أمرمن الله تعالى للنساء المؤمنات وغيرةً منه لأزواجهن عبادِه المؤمنين، وتمييزٌ لهنعن صفة نساء الجاهلية وفعال المشركات"[6].
قال الشيخ ابن باز: "فأمر المؤمناتبغض البصر وحفظ الفرج كما أمر المؤمنين بذلك صيانةً لهن من أسباب الفتنة وتحريضًالهن على أسباب العفة والسلامة"[7].
5 ـ النهي عن إظهار الزينةلغير المحارم:قال تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَاظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31].
قال ابن كثير: "أي: لا يظهرن شيئًا من الزينةللأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه، قال ابن مسعود: (كالرداء والثياب) يعني: على ما كانيتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلِّل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلاحرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكنها إخفاؤه"[8].
قال الأستاذ سيد قطب: "والزينةحلالٌ للمرأة تلبيةً لفطرتها، فكلُّ أنثى مولعةٌ بأن تكون جميلةً وأن تبدوَ جميلة،والزينة تختلف من عصر إلى عصر، ولكن أساسها في الفطرة واحدٌ هو الرغبة في تحصيلالجمال أو استكماله وتجليته للرجال، والإسلام لا يقاوم هذه الرغبةَ الفطرية، ولكنهينظِّمها ويضبطها ويجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد هو شريك الحياةِ،يطَّلع منها على ما لا يطَّلع أحد سواه، ويشترك معه في الاطلاع على بعضها المحارمُالمذكورون في الآية بعد، ممن لا يثير شهواتهم ذلك الاطلاعُ"[9].
6- النهي عن الخضوع بالقول:قال تعالى: {يٰنِسَاء ٱلنَّبِىّلَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ ٱلنّسَاء إِنِ تَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِلْقَوْلِفَيَطْمَعَ لَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32].
قال ابن كثير: "ومعنى هذاأنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم، أي: لا تخاطب المرأة الأجانبَ كما تخاطبزوجها"[10].
قال الشوكاني: "أي: لا تلنَّ القول عند مخاطبة الناس كما تفعلهالمرِيبَات من النساء فإنه يتسبَّب عن ذلك مفسدة عظيمة، وهي قوله: {فَيَطْمَعَٱلَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] أي: فجور وشكّ ونفاق"[11].
7- تحريم الخلوة بالأجانب وتحريم سفرها بلا محرم:عن ابن عباسرضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: ((لا يخلوَنَّ رجلبامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، فقام رجل فقال: يارسول الله، إن امرأتي خرجت حاجةً، وإني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وكذا، قال: ((انطلقفحج مع امرأتك))[12].
قال الحافظ: "فيه منع الخلوة بالأجنبية وهوإجماع"[13].
قال القاضي عياض: "والمرأة فتنةٌ ممنوعٌ الانفراد بها لما جُبِلتعليه نفوسُ البشر من الشهوة فيهن، وسُلِّط عليهم من الشيطانُ بواسطتهن، ولأنهن لحمعلى وَضَم[14] إلا ما ذُبّ عنه، وعورةٌ مضطرة إلى صيانة وحفظٍ وذِي غيرة يحميهاويصونها، وطبع الله في ذوي المحارم من الغيرة على محارمهم والذبِّ عنهن ما يؤمَنعليهن في السفر معهم ما يُخشى"[15].
8- التحذير من الدخول علىالنساء لغير المحارم:عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلىالله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء))، فقال رجل من الأنصار: يا رسولالله، أفرأيت الحمو؟ قال: ((الحمو الموت))[16].
قال القرطبي: "قوله: ((الحموالموت)) أي: دخوله على زوجة أخيه يشبه الموتَ في الاستقباح والمفسدة، أي: فهومحرَّم معلوم التحريم، وإنما بالغ في الزجر عن ذلك وشبَّهه بالموت لتسامح الناس فيذلك من جهة الزوج والزوجة لإلفِهم ذلك، حتى كأنه ليس بأجنبيٍّ من المرأة عادة، وخرجهذا مخرج قول العرب: الأسد الموت، والحرب الموت، أي: لقاؤه يفضي إلى الموت، وكذلكدخول الحمو على المرأة يفضي إلى موت الدين، أو إلى موتها بطلاقها عند غيرة الزوج،أو برجمها إن زنت معه"[17].
9- الابتعاد عن مخالطة الرجال حتىفي العبادات:عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى اللهعليه وسلم: ((خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرهاأولها))[18].
قال القرطبي: "فأما الصفُّ الأول من صفوف النساء فإنما كان شراً منآخرها لما فيه من مقاربة أنفاس الرجال للنساء، فقد يخاف أن تشويش المرأة على الرجلوالرجل على المرأة"[19].
قال النووي: "وإنما فضَّل آخرَ صفوف النساء الحاضرات معالرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماعكلامهم ونحو ذلك، وذمَّ أوَّل صفوفهن لعكس ذلك"[20].
قال الشيخ ابن باز: "وكانالنساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لا يختلطن بالرجال لا في المساجد ولا فيالأسواق الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة علماءَ الأمةإلى التحذير منه حذراً من فتنته، بل كان النساء في مسجده صلى الله عليه وسلم يصلينخلف الرجال في صفوف متأخرة عن الرجال، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((خير صفوفالرجال أولها وشرُّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)) حذراً من افتتانآخر صفوف الرجال بأول صفوف النساء، وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرونبالتريُّث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهنَّ الرجالفي أبواب المساجد مع ما هم عليه جميعاً رجالاً ونساء من الإيمان والتقوى، فكيف بحالمن بعدهم؟! وكانت النساء يُنهين أن يتحقَّقن الطريقَ ويُؤمرن بلزوم حافات الطريقحذراً من الاحتكاك بالرجال والفتنة بمماسَّة بعضهم بعضاً عند السير فيالطريق"[21].