النظام الاجتماعي والحياة الأسرية
إن من مهام الدين الاسلامي الأساسية ، بناء الفرد والمجتمع والدولة على أسس عقائدية وأخلاقية وقانونية . . والرسالة الاسلامية لم تأخذ الفرد كوحدة مستقلة عن المجتمع . . بل تعاملت معه ضمن البنية الاجتماعية العامة بالإضافة إلى كونه فرداً له أصالته الفردية وخصوصيته الذاتية . .
ويشكل النظام الاجتماعي والبنية الاجتماعية في الاسلام نسيجاً متكاملاً تتفاعل فيه عناصر عديدة . . الاتجاه الغريزي الفطري ، وعنصر العقيدة والأخلاق والعبادة ، والتشريعات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والسياسية . . الخ التي وضعتها الشريعة الاسلامية . . فكل هذه العناصر متكاملة تؤثر في بناء المجتمع والوضع الاجتماعي . . وفيما يلي نلخص المبادئ الأساسية التي يبنى عليها المجتمع الاسلامي ، وتشكل أسس نظامه :
1 ـ اعتبر الاسلام إنّ الدوافع الانسانية ، ووحدة النوع البشري ، هي الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع . . فالناس يُكوّنون المجتمع إنطلاقاً من إنسانيتهم ، بما يحملون من عقل وقدرة على النطق والتفاهم ، وحاجة إلى تبادل المنافع ، وإحساس نفسي عميق بالحاجة للعيش مع بقية أفراد النوع الانساني ، والميل الغريزي بين الرجل والمرأة . . الخ .
ويلخص القرآن هذه المبادئ بقوله : (يا أيُّها النّاس إنَّا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم إنَّ الله عليمٌ خبيرٌ ) (الحجرات / 13) .
(كان النّاس أُمّةً واحدة فبعث الله النَّبِيِّين مبشِّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقِّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاَّ الذين أُوتوه من بعد ما جاءتهم البيِّنات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لِما اختلفوا فيه من الحقِّ بإذنه والله يهدي مَنْ يشاءُ إلى صراط مستقيم ) (البقرة / 213) .
إن هاتين الآتيين والكثير من أمثالهما تؤكد وحدة النوع الانساني . . فالكل بشر خلقوا من ذكر وأنثى ، وجعلهم الخالق سبحانه شعوباً وقبائل ليتعارفوا ويتفاهموا ويتعاونوا . . وفي أصل النشأة الاجتماعية كان الناس أمّة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيِّين ، وأرسل إليهم الشريعة والقانون والأخلاق لتوحيد البشرية ، ورفع الاختلاف بينهم .
2 ـ إنّ المجتمع الاسلامي يقوم على أساس الترابط العقائدي والأخلاقي والشعور الانساني ، وليس المنافع والمصالح المادية وحدها . . كما في المجتمعات المادية . . وبذا تتعمق الروابط الإنسانية والثقافة الموحّدة ، وتختفي ظاهرة التنازع والصراعات . . وتشكل العبادات ذات الطابع التوحيدي ، كالصوم وصلاة الجماعة والحج وفريضة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر . . أبرز وسائل التفاعل والترابط الاجتماعي ، نعرف هذه الحقيقة من قوله تعالى : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) .
ومن قول الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) : «أوثق عرى الإيمان : الحب في الله والبغض في الله» . .
ومن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .
ومن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لها» .
3 ـ اعتبار الأسرة هي القاعدة الأساسية في بناء المجتمع : إنّ المجتمع الاسلامي مجتمع يقوم على أساس الأسرة . . فالاسلام يعتبر الأسرة هي قاعدة البناء ، وليس الفرد والحياة الانفرادية . . والأسرة بناء مقدّس في الاسلام . . قد أحاطته الشريعة والقيم الاسلامية بالحرمة والصيانة والتكريم ، وأقامته على أسس تشريعية واخلاقية . . فالأسرة تقوم على أساس الزواج بين رجل وامرأة محللة ، وتبنى الأسرة في الاسلام على أسس روحية وأخلاقية وعاطفية ، كما تبنى على أسس مادية وقانونية ، ولأهمية الأسرة والزواج في الاسلام نجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثله بالبناء ، ويوضح أنّ الله يحبه حباً متفوقاً على الأنشطة الأخرى .. قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ما بني بناء في الاسلام أحب إلى الله من التزويج» .
ويتحدّث القرآن عن أساس البناء الأسري فيقول : (ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة ) (الروم / 21) .
وقال سبحانه : (وعاشروهنّ بالمعروف ) (النساء / 19) .
وقال : (ولهنّ مثل الذي عليهنّ ) (البقرة / 228) .
ويؤكد الرسول أهمية الحب بين الزوج وزوجته فيقول : «قول الرجل للمرأة إنِّي أحبك لا يذهب من قلبها أبداً» .
فالمودة والحب والرحمة والمعاشرة بالمعروف واحترام حقوق الزوجين : الرجل والمرأة ، هي الأسس التي تبنى عليها الحياة الزوجية ، إضافة إلى دوافع الغريزة والإشباع الجنسي . .
وكما أرسى القرآن الأسس النفسية والعاطفية ، والتعامل الانساني بين الزوج وزوجته ، ثبّت مبدأ النفقة المادية في الأسرة على الزوج . . وأعطاه دور القيادة والقيمومة في الأسرة . . ومثلما ثبت القرآن الحقوق الزوجية ثبت حقوق الآباء والأبناء والأقارب والأرحام ، فقال متحدثاً عن حق الأبوين :
(ووصَّينا الإنسان بوالديه حملته أُمُّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أنِ اشكر لي ولوالديك إِليَّ المصير ) (لقمان / 14) .
(وقضى ربُّك ألاَّ تعبدوا إلاَّ إيَّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنَّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً * واخفض لهما جناح الذُّلِّ من الرَّحمة وقل ربِّ ارحمهما كما ربَّياني صغيراً ) (الإسراء / 23 ـ 24) .
(وإذْ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاَّ الله وبالوالدين إحساناً وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للنّاس حُسْناً وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة ثمَّ تولَّيتم إلاَّ قليلاً منكم وأنتم معرضون ) (البقرة / 83) .
(وأُولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إنَّ الله بكلِّ شيء عليم ) (الأنفال / 75) .
ويتحدّث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حب الأولاد وتكريمهم ، فيقول : «أكرموا أولادكم ، وأحسنوا آدابهم».
وأوصى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) بحب الأولاد ، فقال : «أحبوا الصبيان وارحموهم ، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا ، فإنّهم لا يدرون إلاّ أ نّكم ترزقونهم».
4 ـ احترام شخصية الإنسان وتكريمه ، وحفظ حقوقه الإنسانية . . والأساس الهام الذي يبنى عليه المجتمع الاسلامي ، والقيمة التي تسود فيه ، هو الحفاظ على حرمة الإنسان وحقوقه الإنسانية . . ثبت القرآن هذا المبدأ بقوله : (ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطَّيِّبات وفضَّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً )(الإسراء / 70) .